الكتابة: إنقاذ اللغة من الغرق

Authors

  • عبدالزهرة زكي

Keywords:

تاريخي, فلسفي, اجتماعي, انساني

Abstract

ربما كان في بالي يوماً القليل من الكتب، كتب شعر ودين وروايات وسيرة وفلسفة وتاريخ ورحلات وربما علوم طبيعية، حين تبادر لي أن أسأل صديقاً كاتباً، وهو واحد من أفضل القراء، ما إذا كان يتفق معي أننا في نتاجنا الثقافي العربي المعاصر بتنا نفتقر إلى الكتاب الذي يشكل لقارئه حاجة حقيقية يعود معها إليه بين حين وآخر، الكتاب الذي تعاد قراءته تحت ضغط الحاجة المجردة إلى القراءة، هذه الحاجة التي لا تضاهيها حاجة أخرى حين يكون المرء قارئاً شغوفاً من نمط القراء الفريدين. فمن القراءة ما هي منزّهة من الهوى ومتجردة عن الجدوى، تلك هي القراءة الأكثر اندفاعاً والأشد ضماناً في الديمومة والتواصل، قراءة لا تيأس ولا تحبط، وجه آخر لكتابة مفتونة بما هي عليه، كلتاهما، القراءة والكتابة وجهان لحرية تمضي في صنع حياة أخرى تحايث حياة اليأس والموت واللاجدوى.فتقر إلى مثل تلك الكتب التي يهفو إليها قارئ شغوف في لحظة ما غير مخطط لها لينهض فيها فيتناول من رفّ منسيٍّ في مكتبة كتاباً يعود إليه بعد سنوات وربما في لحظة نفور من كل شيء، حتى من القراءة ذاتها.وقد لا أجازف حين أقول إن الكتاب الصادر حديثاً للؤي حمزة، كتاب (الكتابة) الذي يتصدره عنوان فرعي شارح: (من أجل إنقاذ اللغة من الغرق) هو واحد من كتب قليلة ستتوفر على حظ ما في إقامة صلة حميمة بقارئها، وبما يشكل منها حاجة حقيقية له.في تاريخ الشعر نستطيع الوقوف على كثير من نصوص الشعر التي عُنيتْ بالتأمل في الشعر والانشغال فيه، إنها شعر موضوعه الشعر، لكن الكتابة بشكل عام، والشعر جانب منها، لم تحظ بعناية كالتي حظي بها الشعر، عناية تتجاوز التعبير عن تجربة شخصية، سيرة كتابية، وتتعدى العمل النقدي والتاريخي والاسلوبي لتنصرف إلى التأمل بالكتابة، ليس كمفهوم وإنما كوجود، كعالم معيش.وفي الحقيقة لن تكون أيّ كتابة عن الكتابة ممكنة من دون مرور بالتجربة الشخصية، التجربة في الحياة وفي الكتابة (هل الفصل متاح؟)لكن هذه التجربة تغتني كلما كان نصيبها من التأمل والتفكر أكثر تدخلاً مما تفرضه ضغوط التجربة الشخصية.يبدأ لؤي كتابه مستعيداً صوراً وأطواراً من التجربة في الحياة والحرب والطفولة، لكن استعادات لؤي الحياتية تظل تمرّ عبر موشور ثقافي، لنسمّه موشور الكتابة، وبما يضعنا أمام متلازمة الحياة / الكتابة، وهي متلازمة ظلت فاعلة في كل تجارب لؤي حمزة الوفية لمكانها، كتاباته عن المعقل الحي الذي رعى طفولته وصباه، قصصه وحكاياته التي تضمخت بروائح الحرب وبحرائقها... (الشعور الذي لم يتخلّص منه حتى اليوم: إنه ما يزال في نفق الحرب حتى هذه اللحظة، يدور في متاهتها، الفكرة تؤدي لفكرة أكثر سطوعاً: الحرب التي تبدأ لا تنتهي، وأمثالنا ممن يعيشون في أنقاض وطنٍ يظلّون أبداً منذورين للشعور بالحطام: حطام السفينة التي يُعاد بناؤها)، هكذا يمهد لؤي في مقدمة الكتاب لجانب أساس من الطبيعة التي تظل تحظى بحضور كثيف في الكتاب.يعمد لؤي حمزة في كتابه إلى إنشاء مقاربة بين الحرب والكتابة، هذا المحو الذي يتكرر في الحرب لا تستعيده إلا الكتابة التي هي مجال آخر للمحو والاتلاف كما هي مناسبة للتثبيت والخلق.يستلّ كتاب (الكتابة) من همنغواي جندياً من الحرب الإسبانية (1937) كان قد وضع في جيب صدره كتابه، سعياً من أجل إنقاذ اللغة من الغرق، إنه الدليل عن النجاة قبل أن يكون الدليل إليها أيضاً، (إنه دليل جندي أرنست همنغواي وقد عاش الحروب جميعها، قُتل فيها مرّة بعد أخرى وبعد كلِّ مرّة يقوم ليواصل كتابته بانتظار حرب جديدة قادمة، كأن قيامته بالكتابة وحدها وهي ما تجعل لحياته معنى).

Downloads

Download data is not yet available.

Downloads

Published

2014-03-09

How to Cite

زكي ع. (2014) “الكتابة: إنقاذ اللغة من الغرق”, Kufa Review (Discontinued), 4(1). Available at: https://journal.uokufa.edu.iq/index.php/Kufa_Review/article/view/4530 (Accessed: 28 March 2024).

Similar Articles

<< < 1 2 3 4 5 6 7 > >> 

You may also start an advanced similarity search for this article.