بلاغة الخطاب في رسالة ابن الدودين
Abstract
ترصد الدراسات التاريخية والأدبية ظهور تيار شعوبي في بدايات
القرن الخامس الهجري من العصر الأندلسي
) 1(
يرجع سبب تخلُّقه إلى
مدة «انتثار عقد الخلافة وتمزق البلاد إلى دويلات مستقلة يتناهب
الحكمَ فيها الصقالبة والمولدون والموالي والبربر
2(» (
، ضعف معها
الكيان العربي وأخذ بالتراجع والتقهقر. ولا غرو أنّ ملامح هذا التيار قد
انسربت إلى النتاج الأدبيّ وتركت بصمتها فيه لا سيّما في فنّ الرسائل
الأندلسية، وقد تَوّج أبو عامر أحمد بن غَرسِية
) 3(
انسراب هذه النزعة
إلى ذلك الفنّ بتدبيجه رسالته الشهيرة التي ذمّ فيها العرب وحقّرهم،
وافتخر بقومه العجم
) 4(
مُحاولاً الإعلاء من شأنهم، فقد كان شعوبيًّا
شديد التعصّب للفرس كارهاً للعرب. غير أنّ ردّاً من ذات الجنس
الأدبي أتى به الأديب أبو جعفر أحمد بن الدّودين البلنسّي
) 5(
، استلهم
فيه مآثر العرب وتاريخهم العريق، وعمِد في رسالة الردّ والدحض تلك
إلى تفنيد ما جاء به ابن غرسية جلّه
) 6(
، كاشفاً عيوب العجم ومثالبهم
كردٍّ فرضته فحوى تلك المنازلة الحجاجيّة وطبيعة ذلك الخصم.
وينبلج ههنا تساؤلٌ ملحّ لا يلتفت هذه المرة إلى جمالية الخطاب
الأدبي بقدر ما تنحصر عنايته بمدى نجاعة مسعى المخاطِب منها في
دحض افتراء خصمه وادّعائه، وكيفية اقتناعه والمتقبّلين جلّهم بحجته
وبرهانه وإذعانهم لصالح مقصوده في خطابه