طبقات الرقابة في الثقافة العربية: لذّة الرّقابة باللّغة
Keywords:
تاريخي, فلسفي, اجتماعي, انسانيAbstract
الرقابة الإجهاض لفحولة فكريّة أو سياسية ممكنة، ضرب من البربريّة الصلفة لفكرة أو قوّة معارضة قيد التشكّل. والرقابة القطفُ لرؤوس بدأت تينع، كما فعل الحجّاج، جريمة السّلطة في حالتها المحض، ضربة وقائيّة في البداية للمختلف حتى لا يعلن عن نفسه صراحةً، وممارسة إكراهية مع ظهور المطبعة في أوروبا بدءاً من القرن الخامس عشر. ولكنّ هذه الدراسة لا تقف عند هذا النمط الأخير من الرقابة المؤسسيّة بقدر ما تتجه إلى الرقابة الكامنة في البنى الخفيّة التي تفرضها الثقافة العربية وتاريخها. وضمن هذه الثقافة تطرّف في الرّقابة بتجفيف منابع الفكرة قبل تكوّنها أو الخصم قبل ولادته،وبأساليب مختلفة ومنها البلاغة والخطابة وما يمكن تسميته بصناعة القداسة، صناعة قد لا تكون بالضرورة جعلت لحماية المقدّس بقدر ما هي موظّفّة لأغراض سياسيّة تصفّي الخصم من حقل الصّراع.
ومن أشهر الأمثلة العربية على هذا الإجهاض الفكري إعدام كتب الحلاّج، فلم يصلنا من أثره إلاّ القليل ومنها كتاب "الطّواسين". فمن أجل محاصرة الفكرة اُحرقت كتبه وسُجن ثمّ اُخرج من سجنه، فجُلد وقُطعت يداه ورجلاه وشُوّه وصُلب وقُطعت رأسه وأُحرقت جثّته ونثر رمادها في دجلة، تحت ذريعة المروق عن الدّين مع أنّ الأمر قد لا يعدو أن يكون أزمة في اللّغة ناجمة عن الاستسلام لوقع النَّظم عنده، لأنه اضطرّ للاعتذار عن معاني الألفاظ التي كانت تصدر عنه كقوله: "أنا الحقّ" أو "ما تحت الجبّة إلاّ اللّه". فقد قتلته هذه الكلمات مع أنّه كتب يقول: "إنّ معرفة الله هي توحيده، وتوحيده تميّزه عن خلقه، وكلّ ما تصوّر في الأوهام فهو – تعالى – بخلافه، كيف يحلّ به من منه بدأ". المثال الصوفي، ومنه الحلاّج، رؤية هاربة من الحدود التي تضعها الرقابة الدينية بمكر اللّغة وقدرتها على الفسحة والتوليد.