الآثار الغيبية في الشعر بين الجاهلية والإسلام

المؤلفون

  • ضياء علي عبد الرضا

الملخص

كلما كانت الكلمة ذات قوة وسحر وتأثير فهذا يعني أنها صادرة  عن تجربة صادقة وواقع كان قد شهده المتكلم بكل جوارحه وفي هذه الحالة لا يجد المتكلم عناءً لإيصال ما عنده إلى الجمهور وليس به حاجة إلى التكلف حتى يؤثّر في سامعيه. وان هذه العلاقة الجدلية بين الكلام والمتكلم تختصر إلى الجمهور فهم ما يُراد فهمه مع شيء من التفاعل مع الأفكار المطروحة. وإذا كان الكلام في أي مسألة من مسائل الحياة يقتضي هذه الملازمة بين الكلام والمتكلم فان الكلام في المعاني الغيبية والخوض  فيها لابد لكي يفعل فعله الغيبي أن يصدر عن ذات معدّه اعداداً مناسباً لهذه  المعاني إذ لا يصح الكلام عن حقائقنا الدينية قبل أن نطهّر ذواتنا وإلا فسوف تفتقر كلماتنا –حتما – إلى القوة والتأثير وهذا مبحث يطول لا يحتمله المقام هنا.على أن اثر الكلمات الغيبي في الأشياء يعود بنا إلى ماضي الإنسان السحيق في عالمه البدائي يوم كان التصور والتفكير يصدران عن عفوية الإنسان وصفاء طويته فكانت الكلمات ذات قوة غيبية تفعل فعلها في الأشياء ويستعان بها لدفع الأذى والتحصن  ضد قوى الطبيعة (فالإنسان الأول رأى في الكلمة أول قوة حية يستطيع بها أن يدفع أذى الطبيعة الحية والصامتة وان يعيش معها في انسجام. وحين أدرك بتجربته أن لمظاهر الطبيعة قوى كامنة فيها لها القدرة على ضره وكانت الكلمة دائما هي القدرة على التحكم في الـ(Mana) او الروح الكامنة في الأشياء فتمنعها من العمل ضده فلم تتغير قداسة الكلمة) ( ). وللكلمة الشعرية عند العرب اعتبار خاص في التأثير بكون صياغتها ومضمونها معا. فأما الصياغة فلها إيقاعها الموزون المؤثر في الوجدان الامر الذي جعلهم يصطلحون على قول الشعر بالإنشاد فيقولون انشد فلان واما المضمون فيحمل في إخضاعه السحري أثرا غيبيا ينبثق عن حالة وجدانية خاصة يمر بها الشاعر دون سواها وهي اقرب إلى اللا وعي منها إلى الوعي ويكون الشاعر فيها تحت تأثير قوة خارجية تتحكم في عملية الإبداع ولهذا جاءت اللغة الشعرية إفرازا لهذه الحالة الغيبية ((فكل لغة شعرية تبدأ بكونها لغة أسرار بمعنى خلق عالم شخصي عالم منغلق على نفسه تماما))( ). ولم يكن بعيدا عن تصور العرب في ذلك المجتمع الجاهلي ان الكلمة وسيلة الخلق المتحكمة بوجدان الأفراد وطالما قرنوا فعلها بفعل الحجر وجعلوا لها وخزا كوخز( ) الإبر واعلوا من شان البيان واكبروا أهله حتى صار البيان عندهم فخرا من مفاخرهم التي عرفوا بها بين سائر الامم0 وصار للكلمة وقعٌ مؤثرٌ في النفوس لعله يعود بنا إلى دلالتها الحسية المشتقة من الكلم وهو الجرح كما جاء في المعاجم( ) اللغوية العربية وكلمه بكلمة كَلْما وكلّمه كلما: جرحه ورجل مكلوم وكليم ،قال :
عليها الشيخ كالأسد الكليمِ
  والكِلام:الجراح.
وقد جاء استعمال الكلمة بمعنى القصيدة في قولهم: قلتُ في فلان ((كلمة)) فكأن القائل يريد: أنني قلت من الكلام ما يؤثر في النفوس. وبهذا يكون الشعر من اظهر الوسائل البيانية المؤثرة، وكان لابد من الاستعانة  به لسد فراغ غيبي عند العرب في جاهليتهم ولم يُشغَلْ حتى ظهور الإسلام بغير السحر والعرافة والكهانة. ولكلٍّ من هذه الأعمال الغيبية وظائف ذات اثأر غيبية لا تُنكر في واقع العرب الجاهلي .والله اعلم.
أما أثر الكلام الغيبي في الإسلام فواضح كل الوضوح في الآية الكريمة (ولو إن قرآنا سيرت به الجبال او قطعت به الأرض او كلم به الموتى...)( )؛وفي خطبة المتقين( ) للإمام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب تجلي واضح للأثر الغيبي المحسوس في السامع،وفي الرواية (لا يرد القضاء إلا الدعاء)( ) دليل قاطع على رد الأثر المحسوس بسبب غيبي، وهذه الأمثلة تمثل القمة في بلاغة البيان العربي الذي يكمن سره البلاغي في بلاغة المتكلم وعلى قدر فضله يأتي فضل كلامه وتأثيره في السامع المخاطَب،ولكن هذا التأثير مشروط بالمعرفة وإلا فلا يمكن أن يتجلى أثره على السامع المحجوب عن الله بالذنوب والمعاصي؛ وهذا الحجاب الذي يمنع انعكاس النور الإلهي على القلوب هو الذي يُفقد السامع المحجوب تذوقه بيان المتكلم ويحرمه من نور هداه ،ولا عجب حينئذ إذا صار كلام الخالق عنده مثل كلام المخلوقين.وفي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام انه كان كلما قرأ القرآن يقول سمعتُ ربي وقرأ ذات مرة آية ورددها فأُغمي عليه ولما ُسئل عن سر ذلك قال:(لقد تجلى الله في القرآن ولكن لا تبصرون والله ما زلت ارددها حتى سمعتها من قائلها فغشيني ما غشيني من هيبتها)( ).وهذا هو مصداق سر التأثر ببلاغة وهيبة المتكلم عند العارفين بالله حق معرفته. والله أعلم.اللهم اجعلنا ممن ناديته فأجابك ولاحظته فصعق لجلالك والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين.

التنزيلات

بيانات التنزيل غير متوفرة بعد.

التنزيلات

منشور

2010-12-17

كيفية الاقتباس

عبد الرضا ضياء علي. "الآثار الغيبية في الشعر بين الجاهلية والإسلام". مجلة اللغة العربية وآدابها, م 1, عدد 10, ديسمبر، 2010, https://journal.uokufa.edu.iq/index.php/jall/article/view/6560.