التشكيل الإيقاعي في شعر الجواهري ((مرحباً يا أيها الأرق ويانديمي))

الملخص

يتناول هذا البحث التشكيل الإيقاعي في انموذج مختار من شعر الجواهري ، وهو (مرحبا ياايها الأرق ويانديمي) وقد وردتا في الديوان منفصلتين ، ولكن متعاقبتين ، ويبدو لي انهما امتداد واحد ، فبعدما فرغ الشاعر من قصيدة مرحباً ياايها الأرق ، التي قالها تحت مؤثرات نفسية وغربة خانقة ، استرسل على راحته فيما بعد ،   فكانت يانديمي مكملة لها ، وقد كان شكل القصيدة الخارجي على هيئة ألواح ، او مقاطع ، يكون المقطع من ثلاثة أبيات وقفل وكأنه على غرار الموشح ، وستكون هذه الدراسة على وفق المنهج الأسلوبي .
المقصود بالتشكيل الإيقاعي هنا التنويع في البحور بين الألواح ، واحياناً داخل اللوحة نفسها ، وكذلك التنويع في القوافي داخل اللوحة الواحدة ، فنلاحظ نظام القافية – اذا جاز التعبير – في صدور الأبيات الثلاثة الأولى التي اما ان تتطابق مع الاعجاز أو تنتهي الأعجاز بقافية أخرى ، فلاحظنا ظهور قافيتين احياناً في اللوحة ألواحدة في الصدر والأخرى في العجز . لقد حرص الشاعر على ضبط البنية الموسيقية ضبطاً رائعاً واحياناً يفضل ان تكون الأبيات الثلاثة الاولى مصرعة او مقفاة والقفل كذلك ، وبحرف روي مختلف عنها وهذا ما اعطى النص جرساً لفظياً ، وحرفياً متقناً يهيمن على مخيلة المتلقي فكان التشكيل الإيقاعي المتنوع مدخلاً لموسيقى معبرة ، ومجسدة صورة الالم الذي يهيمن على نفس الشاعر ، فضلاً عن هذا الضبط الإيقاعي ، والصوتي ، والتكرار ، كان هناك الإيقاع الدلالي وسنلاحظ كيف تمكن الجواهري من توظيف الثنائيات في البناء الإيقاعي الدلالي .
حينما ندرس نص الجواهري نلاحظ الاستخدام الرائع للاعاريض بنقرتها الإيقاعية الموحدة ، وكذلك نقرة الأضرب التي تتطابق مع النقرات الأخرى في مواقع متعددة بين الأعارض نفسها ، او بينها وبين الأضرب ، وكذلك بين الأضرب فضلاً عن التنويع باستخدام الزحافات والعلل في الاعاريض والأضرب من دون الإخلال بالوزن والإيقاع الذي يكون المحصلة النهائية عند المستمع المتذوق للنص ، وقد قدم الجواهري بناءاً إيقاعياً محكماً في هذا النص الطويل ، وتداخلاً بين بحري المديد والخفيف ، فكان البناء الجديد في الشكل رائعاً ومعبراً ومتطابقاً مع الحالة النفسية للمبدع . ولابد لنا من تعريف البنية ، وهي في الاصطلاح اللغوي(1) التصميم، او البناء او الهيئة ، التي يبنى عليها الشيء ومنه بناء النص الأدبي  أي انها تشييد بشكل معماري فني ذو مواصفات دقيقة رائعة فالمعنى اللغوي متمم للمعنى الاصطلاحي ، وذلك ما اتفق عليه النقاد ومنه ايضاً بناء الأسلوب في العمل الأدبي  وهو دقة في التصميم وجمال في الإنشاء العملي ، وجمال الأسلوب الأدبي  أي الاخذ بأفانين الكلام لانجاز خطاب ادبي متكامل المواصفات الفنية ، ومن الابنية المهمة في النص الشعري البناء الإيقاعي لان من لوازم الشعر الصحيح الذي يجب ان يكون غير مكسور الوزن ، لانه الشكل الصحيح اللازم له ، والوزن من مقومات بناء الإيقاع الذي يعد (حركة متنامية يمتلكها التشكيل الوزني حين تكتسب فئة من نواة خصائص متميزة عن خصائص الفئة او الفئات الأخرى فيه)(2) .