الحداثة الأدبية في ميزان النقد الإسلامي

المؤلفون

  • عبد الكريم أحمد المحمود

DOI:

https://doi.org/10.36318/jall/2012/v1.i13.6866

الملخص

إن أول ما يلفت النظر في نقدنا للحداثة وما بعدها هو عدم وجود تعريف ثابت لهما إذ إن التعريفات التي أعطيت للحداثة لدى المفكرين والفلاسفة الغربيين، كانت تعريفات متعددة تدل على عدم وجود اتفاق أو انسجام حول مفهوم الحداثة في الغرب نفسه. وما يهمنا متابعته في نقد الحداثة هو مفهومها المعبر عنه بمصطلح modernism باعتبارها مذهباً أدبياً, بل نظرية فكرية لاتستهدف الحركة الابداعية وحدها بل تدعو إلى التمرد على الواقع بكل جوانبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
واذا أردنا متابعة أصول الحداثة في الغرب فلابد من معرفة أن جميع المذاهب الفكرية والفلسفية والاجتماعية والادبية التي ارتبطت بجذورها الوثنية اليونانية وما أضافته لنفسها من العتمة على مر العصوروالاجيال, قد أدّت إلى العتمة الحداثية وخصائصها من القلق والحيرة والشك, هذه السمات التي حملتها جميع مذاهب الحداثة: الرمزية, الانطباعية, المستقبلية, التعبيرية, الدادائية, السيريالية, الادب - المهنة, التصويرية, الذاتية, السميولوجية, البنيوية, وما بعد البنيوية, والتشريحية .فجميع هذه الحركات حملت معها العتمة والتناقض والقلق والاضطراب. وقد تناول البحث جذور هذه المذاهب والحركات الحداثية في اوربا والعوامل الحقيقية التي ادت إلى ظهورها هناك. وتناول كذلك جذور الحداثة الوافدة الى عالمنا الإسلامي عن طريق البعثات التي عادت من اوربا أو الذين انطلقوا من انفسهم يطلبون العلم هناك أو يهاجرون إلى طلب الرزق في اوربا وامريكا, أو الرجال الزاحفين علينا من بلاد الغرب زحفاً عسكرياً أو زحفاً نصرانياً أو عن طريق مؤسسات الفساد وأنديته كالماسونية والروتاري وغيرهما. اذ عملت هذه القوى على نقل الفكر الحداثي  للعالم الإسلامي 0فانتشر هذا الفكرفي مجتمعاتنا تحت ستار الادب والقومية والعلم والتطور وغير ذلك، وأصبحت الحداثة الادبية جزءاً من فتنة كبرى دخلت العالم الإسلامي  وأذاع لها اصحابها خصائص محددة من الناحية النظرية وكانت محددة في الممارسة والسلوك والمواقف. فلم تكن الحداثة في الادب قضية تتعلق بالشكل الفني فقط، كما اعتقد بعضهم وظن بأنها تعطي لادبنا نفحة من الحيوية التي تمكنه من التعبير عن هموم العصر، بل الحقيقة المؤيدة بالبراهين والادلة القاطعة والواقع المنظور - بعد الموجة الاولى من تمرير مفهوم الحداثة - تثبت أن الحداثة ليست شكلاً فنياً حيادياً على الاطلاق.
انها شكل مرتبط بفلسفة حياة ومنهج فكري محدد وموقف من الكون والحياة والإنسان. انها ارتبطت منذ البداية بتمرد الانسان الاوربي على الدين او ممثلي الدين وعلى القيم الاجتماعية والخلقية والسلوكية، انها توجه كامل نحو (تأليه) الانسان واحلال غرائزه وتصوراته محل شرائع الدين والاخلاق وبهذا تكون الحداثة نظرة شمولية جديدة للحياة كلها بمختلف جوانبها غير مقتصرة على الجانب الفني او التصورات الادبية، وهذا ما يؤكده دعاة الحداثة العربية انفسهم، ومن خلال ما سقناه في هذا البحث من أقوالهم يظهر ان الحداثة العربية عنوان لمذهب فكري مادي شامل يسعى الى تغيير جميع نواحي الحياة في العالم الاسلامي ويتخذ من الادب وسيلة الى ذلك التغيير، ويظهر التوجه المادي التغريبي لهذا المذهب من خلال تصريحات اصحابه ونتاجهم الادبي والنقدي ومن خلال انتمائهم السياسي وثقافتهم الغربية، حتى صاروا يشعرون بالانفصال عن المجتمع والعزلة عن العالم وامتلأت دواوينهم وقصصهم بمشاعر الغربة والانطواء والحقد على الناس واحتقارهم. وارتفعت اصواتهم بالدعوة الى تدمير القداسة وإلغاء الخطيئة وإحراق التراث، وهاجموا مقدسات المسلمين وعلى رأسها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
وفي عالمنا الاسلامي وجدنا موقفاً رافضاً مستنكراًً لهذه الحداثة الشاذة، يقفه مفكرون محنكون ونقاد متمرسون رأوا في هذه الحداثة اتجاهاً فكرياً أشد خطورة من الليبرالية والعلمانية والماركسية وكل ما عرفته البشرية من مذاهب واتجاهات هدامة، ذلك انها تتضمن كل هذه المذاهب والاتجاهات، وهي لا تخص مجالات الابداع الفني أو النقد الادبي، ولكنها تعم الحياة الانسانية في كل مجالاتها المادية والفكرية على السواء . ومع ذلك فلا تعني المواقف الإسلامية الرافضة للحداثة الادبية بمفهومها الغربي، أن الاسلام يغلق جميع الأبواب بوجه الحضارة الغربية وثقافتها، بل يتبلور من خلال تلك المواقف وغيرها تيار إسلامي يتشبث بعقيدته وتراثه ولغته ومجتمعه بمقابل تيار متغرب يتنكر لكل ذلك مفتوناً بحضارة الغرب بجميع أبعادها المادية والمعنوية سواء كانت حقاً أم باطلاً. وقد انطلق التيارالاسلامي الإصلاحي في عمله من مبدأين: الأول- هو العودة الى الذات وإحياء الهوية الثقافية التاريخية والإسلامية للأمة. الثاني- يقول بالتعامل الايجابي مع معطيات التمدن البشري وفي الوقت ذاته اتخاذ الحيطة والحذر في مقابل نزعة الغرب التوسعية وتوجهه الاستعماري وانحرافه الفكري والاجتماعي 0وبهذا يتضح ان منهج النقد الإسلامي يرفض الحداثة الادبية بمفهومها الغربي الهدّام وهو في الوقت ذاته يدعو الأديب الإسلامي الى تفعيل رؤاه وتصوراته الاسلامية بما ينسجم وواقع الحياة المعاصرة ابتعاداً عن جميع مظاهر الغربة النفسية السلبية التي يعيشها غيره من الادباء الارضيين، ويدعو هذا المنهج كذلك الى افادة الاديب الاسلامي من جميع منجزات العصر المنسجمة وحركة الاسلام في تطوير الحياة واتمام مشروعه الحضاري في ازالة مظاهر الانحراف وتحقيق التكامل الانساني.  

التنزيلات

بيانات التنزيل غير متوفرة بعد.

التنزيلات

منشور

2012-01-08

كيفية الاقتباس

المحمود عبد الكريم أحمد. "الحداثة الأدبية في ميزان النقد الإسلامي". مجلة اللغة العربية وآدابها, م 1, عدد 13, يناير، 2012, ص 267-29, doi:10.36318/jall/2012/v1.i13.6866.