النار دلالاتها الفنية والموضوعية في الشعر الجاهلي

الملخص

إذا كان الشعر هو الوثيقة الصادقة التي تفصح عن مشاعر وأحاسيس وعواطف قائليه وتكشف عن المثل والقيم والطبائع والعادات والتقاليد، فان الشعر الجاهلي يعد مرآة الحياة الجاهلية والصور الصادقة لعادات العرب وتقاليدهم ومثلهم، فيه من القيم الفنية والصور الجميلة الرائعة والمعاني الدقيقة الموحية ما يجعله يعد بحق ذروة الشعر العربي، وقد بقي اثر هذا الشعر واضحاً في شعر العصور المتأخرة وما زال له سلطانه في نفوس قارئيه وسامعيه لما فيه من اصالة وجمال في التعبير ودقة في المعاني ونضج فني وموسيقي ولغوي كبير.
وقد نظر بعض الدارسين إلى موضوعات هذا الشعر نظرة تجزيئية جعلت منه وحدات منفصلة غير متصلة، فكتبوا في أشياء كثيرة منه ومازال القسم الآخر منها لم يكشف عنه. والقارئ المتفحص لهذا الشعر يجد نفسه أمام إنسان أدق بصيرة وأنفذ فكراً وأرقى تصوراً مما كان يتوهمه بعضهم في البدوي الجاهلي، فقد نظر إلى الكون بشمولية وأحسَّ الحياة وحدةً وتكاملاً، فلم يترك جزئية من جزئياتها إلا وصفها وأشار إليها.
ومن هذه الزاوية دلفت إلى البحث في النار ودلالاتها في النصوص الشعرية الجاهلية وهي زاوية خارجية تشبه الزاوية التي يعتمدها المصور في لوحاته، بيد إنها تكشف في النهاية عن تصور الشعراء الجاهليين لفكرة النار وهو تصور كما سيثبت هذا البحث يدل على ان الشاعر الجاهلي قد استوعب جزئيات الوجود المتناثرة واستنتج منها معاني كلية وأفكاراً موحدة تكشف عن وعي الشاعر بالوجود وتبعد عنه النظرة الضيقة المحدودة لهذا الوجود التي اتهم بها.