رحلة الناقة بين الشعر الجاهلي و الإسلامي

الملخص

الرحلة في الشعر الجاهلي معروفة المفردات و الحدود ، تتضمن رحلة الشاعر على ناقة تشبه بحيوان الصحراء ، من حمار الوحش و ثور الوحش و الظليم و النعامة ، و لكل حيوان قصة معروفة في عناصرها من شخوص و أحداث و مكان و زمان و عقدة و حل ، و تتغير تفاصيل أحداثها تبعا للغرض الأساسي الذي تتناوله القصيدة . و تتضمن رحلة الظعن ، و هي غالبا ما تحمل في هوادجها امرأة ، يلاحقها الشاعر و يتابع حركاتها و سكناتها بعينه أو بقلبه أو بقلب عينه أو بعين قلبه أو بكل ذلك جميعا(1) . و قد تكون الرحلة مغامرة صيد على فرس ضخم يصيب من صيده ما يصيب(2) .
       يسعى هذا البحث الى متابعة حدود الرحلة في شعر صدر الإسلام سواء أكانت رحلة الشاعر أم رحلة الظعائن ، و تحديد ما جرى عليها من تغيير وجودا أو انعداما ، زيادة أو نقصانا ، وسائل أو غايات ، لأننا نظن مسبقا إن الشعر في صدر الإسلام قد تأثر بالمبادئ الإسلامية في بنيته الفكرية و الفنية ، فغادر مفهوم الرحلة الجاهلية الى مفاهيم جديدة يرتادها بوحي من موضوعاته الإسلامية التي أصبحت شغله الشاغل و وكده العملي . لكل ذلك يعود البحث الى الرحلة الجاهلية بين الحين و الآخر ليوازنها بالرحلة الإسلامية أو يوازن الرحلة الإسلامية بها .
       تتنوع رحلة الناقة في الشعر الجاهلي من خلال ( المشبه به ) : الثور و الحمار و غيرهما ، فالثور مثلا يخوض صراعا مع الكلاب و ينتصر عليها غالبا(3) ، و الحمار يرحل بأتنه بسبب من الجفاف للبحث عن مكان جديد رطيب حتى إذا ما كاد أن يصل إليه يفاجئه صياد جائع بسهامه ، لكنه ينجو منها(4) إلا في حالات خاصة عندما يكون الغرض رئاء(5) ، و قد وسم الدارسون صراع الثور منفردا بالطابع الفردي ، و صراع الحمار مع أتنه بالطابع الجماعي(6) . و الشاعر في الحالين يتخذ الحيوان قناعا لصراعه(7) هو بوصفه فردا مرة و في ضمن قبيلته مرة أخرى .
       و تتجه الرحلة غالبا ما الى الممدوح(8) ، لنيل العطاء الجزيل و قليلا ما تكون الرحلة مدخلا لأغراض أخرى .
       أما موضع الرحلة من بناء القصيدة ( هيكلها ) فيكون بعد الافتتاح ( الطلل و النسيب... ) لمغادرة الماضي الى تناول الحاضر و صراعاته(9) .