الإرهاب وآثاره في التنمية البشرية في العراق

Abstract

عرف تقرير التنمية البشرية للبرنامج الانمائي للأمم المتحدة لعام 1990 بأنّ التنمية البشرية هي «عملية توسيع الخيارات المتاحة أمام الناس» فبما ان الشاغل الرئيس لعملية التنمية– على وفق هذا المفهوم- هو الناس والخيارات المتاحة أمامهم، وبما ان الأخيرة متعددة ولا تحدها حدود، كما ان تلك الخيارات تؤثر وتتأثر سلباً وإيجاباً بالعديد من المتغيرات والظواهر والأحداث التي تمس حياة الناس، وأحد تلك الظواهر هي ظاهرة الإرهاب التي تتسبب في زعزعة الأمن والاستقرار فضلا عن تأثيرها في جوانب الحياة المختلفة والتي تؤدي الى تعثر مسيرة التنمية الاقتصادية والبشرية، اذ يقلص الإرهاب من الخيارات المتاحة أمام الناس، كالتمتع بحياة صحية ومديدة، وأن يكونوا متعلمين، والحصول على مستوى معيشي لائق، والعديد من الخيارات الأخرى كالحريات العامة وحقوق الانسان والديمقراطية.. وغير ذلك. من هنا تتوكد أهمية البحث والتأثيرات التي يمارسها الإرهاب على التنمية البشرية من خلال تدهور قيمة دليل التنمية البشرية ومكوناته الفرعية المتمثلة بدليل الصحة، دليل التعليم، دليل الدخل. فضلاً عن تأثيراته المختلفة على أمن الانسان وحقوقه المختلفة والديمقراطية والحوكمة.. الخ.

وبالرغم مما يتسم بهِ الإرهاب من تعقيد وغموض سواء ما يتعلق بالمفهوم والتعريف لعدم قبول تعريف متفق عليه أم بالإحصاءات والبيانات المتعلقة بهِ لعدم وجود احصاءات دقيقة وشاملة بشكل يُعتمد عليها، بيد انها ظاهرة تطورت بمرور الزمن لوجود عوامل متعددة تقف خلفها؛ لذا اتخذت أشكال مختلفة ومعقدة، إلا ان البحث يستدعي التغلب على جميع الصِعاب التي تواجه الدراسة وتذليلها؛ من أجل دراسة العلاقة بين الإرهاب وآثاره على التنمية البشرية، ومعرفة حجم ذلك التأثير الذي يُخلفه على أوضاع التنمية البشرية. كما انها تفتح الباب لدراسة ظاهرة الإرهاب ليس بحد ذاته فحسب، بل بوصفه ظاهرة لها ارتباطات أمامية وخلفية بظواهر أخرى سياسية واقتصادية واجتماعية.

لقد اختير العراق في هذا البحث بوصفه أحد أكثر بلدان العالم الذي نال نصيبه من أعمال العنف والإرهاب التي تسببت في زعزعة الأمن والاستقرار ولاسيما في حقبة ما بعد الاحتلال الأمريكي (2003-2011) التي تُشكل انعطافة كبيرة في تأريخ العراق الحديث بفعل ما أنتجته من تبدلات سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة. وتسببت في عدم احرازه مستويات تنموية متناسبة مع امكاناته وحاجات سكانه.

ينطلق البحث من فرضية مفادها: أنّ الإرهاب يؤثر سلباً في مؤشرات التنمية البشرية في العراق من خلال تأثيراته المباشرة على امن الانسان وما يمثله من تهديد لحياته، فضلاً عن التأثير غير المباشر في قدرات الناس في الوصول الى موارد الصحة والتعليم والدخل. وهذا ما سنحاول اثباته في الاقسام التالية من البحث.