قصيدة ( اللاجئة في العيد ) بين الجواهري وحسين مردان

الملخص

ربما كان الشعراء الكبار بمنأى عن النقد والتدقيق العلمي في نتاجاتهم الأدبية والفكرية  وذلك للشهرة التي يحوزونها لأنفسهم وتعطيهم نوعا من الحصانة التي تجعل الأفكار حاسرة عن تناولهم .
وقد كان حسين مردان على بينة من هذه المقدمة لكنه بما يملك من نفس كبيرة أقدم على دراسة نقدية واسعة لقصيدة واحدة من قصائد الجواهري هي قصيدة (اللاجئة في العيد) التي تتناول قضية اجتماعية سياسية كبرى من قضايا مجتمعنا العربي الكبير وهي قضية (فلسطين) وما نتج عنها من آثار.
وقد وجدت ان دراسة هذا النقد وتسليط الضوء عليه مما يستحق الوقوف والدراسة وذلك لأسباب كثيرة منها : إن هذا النقد يصدر عن شاعر ذا مكانة مرموقة في ميدان الأدب والثقافة ، ومنها إن هذا النقد يسبق عصره بخطوات كبيرة برغم ما شابه من نزعة نفسية واضحة فرضت آثارها عليه .
نشر حسين مردان نقده هذا في الصحف التي كان يعمل بها ثم عاد لنشره ثانية مع نقود أخرى في كتابه (مقالات في النقد) المكتوب عام 1952والصادر عام 1955وكان معتمد هذا البحث ومرجعه .وقد تدرج هذه الدراسة فيما أصبح يسمى (نقد النقد) أو ما وراء النقد وغيرها من التسميات المرادفة ،  إذ سلطت الضوء بالدراسة والتمحيص على نص نقدي سابق ، وهذا ما يعطي البحث سمة التجربة التي بها حاجة إلى مزيد من التعمق والمواصلة ، لذا يدعو الباحث غيره إلى دراسة نتاجات أدبائنا وجهدهم الفكري والنقدي بعد أن سبق إلى ذلك باحثون كبار من أمثال د. حاتم الصكر ود. عبد الكريم راضي جعفر في دراسته نقد نازك الملائكة وغيرهم ، مع الالتفات إلى أن جهد حسين مردان يبدو من السعة والشمول بما يجعل الحاجة ماسة إلى تعدد مناحي الدراسة بحسب اتجاهات المنتج المتنوع .  
نص القصيدة ( )  :
نظرا لطول القصيدة فقد أدرجتها في آخر هذا البحث لمن شاء قراءتها .
أهم خصائص النص :
اجتمعت في قصيدة الجواهري – ككثير من شعره – مجموعة من الخصائص المميزة التي جعلته نصا ينطوي على أكثر من وجه ، ومن ابرز هذه الخصائص، بحسب ما له علاقة بالدراسة نذكر :
*انه نص كلاسيكي من حيث التنظيم والبناء ، استعان فيه الشاعر بخبرته الواسعة في النظم على هذا النمط ، ولذلك يمكن تقسيم النص أوليا إلى مقدمة وصفية استغرقت أكثر من ثلث القصيدة اعتمدت على توظيف العلاقات البلاغية التقليدية التي حاولت أن تمهد بإيماءات بعيدة للغرض الرئيس في القصيدة مفيدة في ذلك من أسلوبه في البناء اللغوي ، وما أتقنه فيه من قدرة على التصرف من حيث المفردات والتركيب( ) ، فلقد عرف الجواهري بأنه الممثل الأبرز للاتجاه الكلاسيكي الجديد في الشعر العربي المعاصر وهو يحسن هذا الأسلوب الشعري الذي أثنى عليه النقاد العرب القدامى( ) .
*يعرض النص قضية ذات بعدين : سياسي واجتماعي ، فمن الجانب السياسي – وما يرتبط به – تمثل اللاجئة واحدة من آلاف الضحايا الذين شردهم الاحتلال الصهيوني البغيض لأرض فلسطين ، ولا سيما بعد حرب سنة 1948التي خسرتها الجيوش العربية ليتدفق اللاجئون على الأقطار العربية المجاورة ومنها العراق.
أما الجانب الاجتماعي من القضية فيتعلق بما آل إليه حال هؤلاء المشردين من فقدان المأوى وانتشار الفقر وذل الحاجة التي دفعت بأكثرهم إلى ارتضاء أدنى الأعمال من اجل توفير لقمة العيش ، وتمثل اللاجئة في هذه القصيدة الطرف الأقصى في التدني الاجتماعي حيث الاضطرار إلى السقوط في وحل الرذيلة من اجل توفير ملابس العيد ، وقد عرف الجواهري بقدرته ومهارته على توظيف القضايا الاجتماعية في تعرية الأوضاع السياسية بطريقة فنية  فقد استطاع (أن يجمع ما بين ظاهرة التمرد والفن ، او بمعنى آخر السياسة والفن ، فكان شعره ظاهرة مركبة اختلفت عن كل شعراء الاتجاه الكلاسيكي)( ) وهذا ما أعطاه التفرد والهيمنة على شعراء عصره بامتلاك القدرة على رؤية النموذج من خلال الواقع( )  .
*أما السمة الثالثة فهي سمة فنية ، إذ استعمل الجواهري في عرض موضوع القصيدة أسلوب القصة الشعرية المعروف في الشعر العربي قديما وحديثا ، ومن خصائص هذا الأسلوب انه يجعل النص ذا انتماءين في آن واحد : الأول انتماؤه إلى الأصل فهو نص شعري كما يظهر من صورته الماثلة على الورق  وطريقة بنائه ،  والثاني كونه نصا سرديا إذ يسوق حادثة ويعنى بتفصيلها مع ما يقترن بها من مكونات قصصية أخرى وهذا ما يجعل التزاحم بين الجنسين : الشعر والسرد واضحا ، فالسرد عنصر دخيل على الشعر قد يخالفه وقد يناقضه أحيانا لكن الشاعر المتمكن إن أحسن توظيف السرد في الشعر وامسك بحنكة فنية بزمام قياده جعل القصيدة ترتقي في قدرتها على التصوير والتعبير الفنيين  ، وهذه قضية تصدت لها الدراسات الحديثة بإسهاب وتفصيل( ) .