جمالية النص الادبي في اسرار البلاغة - الصورة انموذجا

Abstract

النصُّ الأدبي كلام متعدّد المستويات متعدّد الخصائص الفنّيّة(1)، يؤدّي- فضلا عن وظيفته المعرفيّة- وظيفة نفسيّة، تتمثّل في التأثير في المتلقّي من خلال تحريك انفعالاته وزيادة عنصر التعجيب لديه، أي الدفع باتجاه خلق التوازن بين منظومته الفكرية ومنظومته الشعورية، وإنّ الصورة الفنية هي التي تضفي على النصّ شعريّته وتمنحه القدرة على التأثير، وتعدُّ مظهرا من مظاهر الفنّ والجمال في النصّ الشعري، ومؤشّرا قويّا على عبقريّة وإبداع الشاعر, يقول الدكتور محمد الولي: إنّ الصورة هي التي تكسب الكلام صفة الشعرية(2)، وتعرّف بأنّها تشكيل لغوي أو وحدة تركيبيّة يشكّلها الشاعر بحواسه وقواه الذهنيّة والشعوريّة (3)، وكان أرسطو قد ربط بين الشعر والرسم، وذكر أن الرّسام يستعمل الريشة والألوان, في حين يستعمل الشاعر المفردات ويصوغها في قالب فنّي مؤثّر يترك أثره في المتلقي، وتحدّث عن الاستعارة ووصفها بأنّها آية الموهبة(4)، ولعلّ الجاحظ أوّل ناقد عربي استشعر أهمية الصورة وعدّها ركنا أساسيا من أركان العملية الشعريّة في حدّه للشعر بأنّه " صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير"(5)، وكأنّه ينظر إليها على أنّها التفاف حول المعنى، أو تقديم المعنى بطريقة تبعث في النفس عنصري الإثارة والتعجيب، ويؤكّد عبد القاهر أنّ الصورة من شأنها أن تتفاعل مع الشعور وتخلق عنصر التعجيب عند المتلقّي, إذ يقول " وتدخل النفس من مشاهدتها حالة غريبة لم تكن قبل رؤيتها ويغشاها ضرب من الفتنة لاينكر مكانه ولايخفى شأنه"(6)، ويشير الى أن التفاضل في الصور إنّما مرجعه الى قوّة الطبع لدى الشاعر، وإنّ مثلها مثل الشيئين يجمعهما جنس واحد، ثم يفترقان بخواص ومزايا وصفات، كالخاتم والخاتم، وسائر أصناف الحلي، التي يجمعها جنس واحد ثم يكون بينهما الاختلاف الشديد في الصنعة والعمل(7)، ومما لاشكّ فيه أنّ الصورة تكشف عن رؤية الشاعر للأشياء والأشخاص أكثر مما يكشف عنها الكلام الصريح أو التعبير المباشر، الذي لايستطيع أن يتناغم مع المشاعر الإنسانيّة أو يتحاور مع الوجدان، والأجدر أن نسمه ،،بالعقم الفنّي،، لأنّ الكلام لايسمّى فنّيّا ما لم يتوفّر على قوّة الخلق أو عنصر الإبداع الذي يخلق المتعة والجمال الفنّيين.