المفارقة في شعر بلند الحيدري
Abstract
كانت المفارقة بوصفها سمة أسلوبية من سمات الإبداع والخلق الشعريين عند بلند الحيدري ملمحا تعبيريا فريدا ومتميزا،فقد شغلت مساحات كبرى من قصائد الشاعر ولعله في هذا يشترك مع أبناء جيله من الرواد مثل السياب نازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي وغيرهم. ولعل مما عمق ظهور المفارقة لدى بلند الحيدري هي نتاج مفارقات واقعه المعيش ولاسيما المطاردة السياسية له وتغربه في المنافي، إذ عاش ردحا من الزمن في بيروت بعيدا عن وطنه العراق . فالغاية من المفارقة عنده كانت تشكل نوعا من الكشف والرصد لتناقضات الواقع المعيش التي ضاق بها ذرعا، فلم يجد وسيلة أو أسلوبا تعبيريا أفضل من المفارقة لمواجهة تلك التناقضات ولذلك فقد حضرت في نسيج وبنية شعره حضورا ملفتا للنظر .
وقد تنوعت مظاهر المفارقة لدى بلند الحيدري فقد كثرت أولا في مجموعة(أغاني المدينة الميتة) في ستة نصوص شعرية، ثم تلتها–ثانيا- قصيدتان في مجموعة(أغاني الحارس المتعب) ثم -ثالثا-قصيدة واحدة في مجموعة (رحلة الحروف الصفر) ،وقد تفنن بلند في الحرص على حضورها بصور مختلفة ومتنوعة من قصيدة إلى أخرى إذ انه مال إلى استعمال مفارقة الموقف أكثر من المفارقة اللفظية فقد تكررت مفارقة الموقف لديه خمس مرات موزعة على المفارقة الرومانسية مرتان و(الأحداث) و(الاستخفاف بالذات) و(الدرامية) كلها مرة واحدة . أما أشكال المفارقة اللفظية فقد جاءت أربع مرات اثنتان منها(مفارقة إبراز) والأخرى(مفارقة النقش الغائر)، فمفارقة الموقف عند بلند الحيدري كثرت لأنها تحتاج إلى إمكانات رؤيوية عميقة توغل في تشخيص الواقع من خلال كشف تحولاته وتناقضاته المضمرة والمسكوت عنها،في ظل انعدام أجواء البوح الحر بمكنونات الذات وهذا ما لا تمتلكه المفارقة اللفظية المبنية على التضاد الدلالي المكشوف والمباشر الذي من الممكن أن يتلقفه المتلقي من النص بعد إجالة النظر في النص الشعري من خلال تحليله وإعادة تركيبه .
