الجمال في المنظور الاسلامي

Authors

  • عبد الكريم احمد عاصي

Abstract

رغم قصور العقل الانساني عن وضع تعريف محدد للجمال ، إلاّ انه يقرّ بأن الجمال حقيقة واقعة في هذا العالم  لا يمكن انكارها ، كحقيقة الوجود التي يقرّ بها العقل ايضاً رغم قصوره عن وضع تعريف محدد لها ، ولا يمكن الوصول الى المفهوم الاسلامي للجمال إلاّ من خلال رؤية الاسلام الشاملة للعالم وعلاقته ِبالله سبحانه وتعالى حيث يبدو التناسب أجلى مظهر من مظاهر الجمال وهو يعني موافقة الشيء لما يُقصد من نوعه طبعاً . فجمال كل شيء وحسنه هو ان يحضر كماله اللائق به الممكن له فاذا كانت جميع كمالاته الممكنة حاضرة فهو في غاية الجمال . وان كان الحاضر بعضها فله من الحسن والجمال بقدر ما حضر، ويُسمى كون الشيء على خلاف هذا الوصف بالسوء والمساءة والقبح على اختلاف الاعتبارات الملحوظة . 

      وقد أيد فريق من الفلاسفة وعلماء الجمال في العصر الحديث الارتباط الوثيق بين الاخلاق والجمال حتى جعلوا علم الاخلاق فرعاً من فروع علم الجمال ، وهذا ما يتفق مع المفهوم الاسلامي للجمال اذ وردت لفظة (جميل) و(جمال) في ثماني آيات في القرآن ، تحدث في موضع منها عن الجمال الحسي ، وتحدث في المواضع السبعة عن الجمال المعنوي والخلقي ، ومقاييس الجمال الكونية هي ذات المقاييس التي نجدها في الانسان ، أو ينبغي أن نجدها فيه متساوقة مع ناموس الوجود . والنظرة إلى الجمال الإنساني على هذا المستوى المستمد من جمال الكون ، كفيلة بتوسيع المفاهيم الجمالية في الانسان واطلاقها من حدودها الضيقة المعروفة ، وان هذا المفهوم الإسلامي للجمال على صعيد الكون والانسان كفرد ، نجد مصداقه كذلك على صعيد المجتمع الإنساني الخاضع للسنن الالهية وناموس الوجود العام ، فالعدل والتوازن بين قوى المجتمع شرط اساس لتحقق الجمال والسعادة فيه ، أما اختلال هذه القوى وطغيان بعضها على بعض ، فهو مدعاة القبح والشقاء ، وهذا الادراك الشمولي للجمال في التصور الاسلامي يتجاوز الجزئيات المحسوسة ويعتبر النظر الى جمال هذه الجزئيات  نقطة انطلاق الى ادراك الجمال الكلي المطلق بعد رسوخ الوحدة في نظام الخلق ، وهي تمام الجمال في المخلوقات وبرهان صدورها عن الواحد .

   فالجمال- بهذا المفهوم- ليس احساساً باللذة الحسية الارضية فحسب وانما هو احساس صاعد نحو الاعلى وان توقف هذه الحركة الارتقائية والاقتصار في المفهوم الجمالي على اللذة الحسية يؤدي الى انعدام التوازن والانسجام وينتهي الى الخطيئة والقبح ، وما دامَ العالم مفتقراً في وجوده لذلك الوجود المطلق فهو مفتقر- كذلك - في جماله لذلك الجمال المطلق ولا يمكن الفصل بين الوجود والجمال في صدورهما عن المطلق ، بل هما حقيقة واحدة تجلت فيها صفات الخالق من الحق والخير والجمال ، فالوجود جمال كله وحق كله وخير كله وإن القرآن الكريم ليعززهذه الفكرة ويدعم الرأي بأن الجمال ملازم لكل مخلوق في أصل خلقته وان القبح امر عدمي لاوجود له في الخلق . وليس الجمال في التصورالاسلامي منفصلا ًعن المنفعة كما هو في مقولات كانْت وهيجل وجوتيه ، بل هناك ارتباط  وثيق بين جمال الاشياء ووظائفها المحققة للانتفاع بها فلا ينفصل الجمال عن المنفعة في حال من الاحوال وهذه هي واقعية الاسلام المعهودة في جميع تصوراته عن الكون والانسان والحياة ، ويتضح مما تقدم أن الجمال الحقيقي هو المتصل بالجمال الأعلى ، أما تلك المظاهر الخارجية الزائفة التي يطلبها الضالّون ويسمونها جمالاً فهي لا تعدو أن تكون زخرفاً خادعاً وفتنة مضلّة ، وهي بعيدة كل البعد عن الجمال بمفهومه الاسلامي العميق ، وفي كل ذلك دلالة على أن الجمال في الاسلام أصل أصيل سواء من حيث هو قيمة دينية : عقدية وتشريعية ، او من حيث هو مفهوم كوني ، وكذا من حيث هو تجربة وجدانية انسانية .

 

Downloads

Download data is not yet available.

Downloads

Published

2017-02-12

How to Cite

عاصي عبد الكريم احمد. “الجمال في المنظور الاسلامي”. Faculty of Jurisprudence Journal , vol. 16, no. 1, Feb. 2017, https://journal.uokufa.edu.iq/index.php/fqhj/article/view/8804.