التشريع السماوي للاخلاق

Authors

  • رؤوف احمد الشمري

Abstract

1-    مما سبق تبين أنَّ آراء الأصوليين في الأحكام الشرعية، كانت موزعة على فئات ثلاث، هي:

-       الفئة الأولى، التي ذهبت إلى القول بأنَّ جميع الأحكام الشرعية تأكيدية، والناس محجوجون أمام الله تعالى بعقولهم؛ لإيمانهم بقدرة العقل على التوصل إلى الأحكام وتمييزها من حيث الحسن والقبح قبل ورود السمع، فما كان حسناً فهو واجب فعله، وما كان قبيحاً يحرم فعله، وما لم يكن الأول ولا الثاني فهو مباح يستوي بين الفعل والترك. وما بُعث الأنبياء والرسل إلّا لتأكيد هذه الأحكام؛ لأن الشارع لا يحكم إلّا بما حكم به العقل، مع تفصيل أدق في بعض الأحكام العبادية. وقد ذهب إلى هذا الرأي كل من أصوليي المعتزلة والحنفية.

-       الفئة الثانية، التي آمنت بأنَّ جميع الأحكام العبادية أو غيرها إنما شرّعها الشارع المقدس تأسيساً لها، وليس للعقل قدرة على إصدار أحكام قبل ورود السمع؛ ولذا فهو لا يُلزم بفعل ما أو ترك غيره، فما أمر به الشارع وأوجب فعله فهو حسن، وما نهى الشارع عنه، وألزَمَ الانزجار عنه فهو قبيح، أما قبل ورود الشرع فلا حُكمَ بالحلِّية أو الحرمة، وإنما الأفعال على صنفين: إما أن تكون اضطرارية - كتنفس الهواء وغير- وهي غير ممنوعة، وإما أن تكون غير اضطرارية - كأكل الفواكه وغيرها - فهي موقوفة. وقد ذهب إلى هذا الرأي كل من أصوليي الأشاعرة وفقهاء الإخباريين من الإمامية.

-       الفئة الثالثة، وهي مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) الذين ذهبوا إلى القول بالملازمة بين حُكْم العقل وحُكْم الشارع؛ فما حَكَمَ به العقل من حُسن شيء أو قبحه فلا بدّ للشارع أن يحكم بمثله لأنه سيد العقلاء، وأوامره ونواهيه في هذه الأفعال تكون إرشادية لا مولوية. أما ما لا يستطيع العقل الحكم به من الأفعال، فكل أحكام الشارع فيها تكون مولوية، كالواجبات الشَّرعية؛ لأنها فرع على معرفة الله تعالى ومعرفة رسوله، فهي متأخرة لا محالة.

 

2-    إنَّ العقل المجرد قادر على إدراك بعض من أنواع العبادات قبل ورود الشَّرع على الجملة. وأنَّ جميع العبادات أفعال أخلاقية عقلية قبل أن تكون أوامر وإلزامات شرعية، لأنها لا تخلو من أنْ يكون فيها شكر للمنعم، وطاعة للمولى، وطلب منه، وهذه الأفعال يستقل العقل بوجوبها على نحو الموجبة الجزئية. أما تفاصيل هذه العبادات فلا يمكن للعقل إدراكها؛ لقصوره ولعدم إحاطته بملاكات الأحكام.

3-    العمل بالأحكام الشَّرعية فرع العلم بالأحكام العقدية، فما لم يقف المكلَّف على عقيدة ما، لا يمكنه الامتثال لأوامر ونواهي شارعها. كما أنَّ عمل المكلَّف نفسه مهما كانت درجة صلاحه وكماله لا يكون مرضيًا عند الله تعالى ما لم يكن نابعًا من عقيدة حقّة.

4-    الأخلاق النفسانية ليست طباعاً ذاتية في الإنسان، وهي قابلة للتغيير عن طريق التهذيب بالدربة والمران، بدليل قبول الطفل للتربية والسياسة، وقبول الكبير لتهذيب النفس متى ما عزم على ذلك، وهذا من فضل الله على عباده أن جعل أنفسهم مستعدة لقبول كافة الصور على تمامها، فكلما ارتاض الإنسان ازداد فهماً وتعلماً، وبإمكانه إخضاع قواه الغضبية والشهوية لقوة العقل بالرياضة والمجاهدة‏.‏ ومن هنا جاء تأكيد الشرائع السماوية على تهذيب النفس وتزكيتها بالعبادة والتخلّق بالأخلاق الحسنة.

Downloads

Download data is not yet available.

Downloads

Published

2017-02-18

How to Cite

الشمري رؤوف احمد. “التشريع السماوي للاخلاق”. Faculty of Jurisprudence Journal , vol. 12, no. 12, Feb. 2017, https://journal.uokufa.edu.iq/index.php/fqhj/article/view/8761.