صورة المجتمع في نظرية الأدب الإسلامي

المؤلفون

  • عبد الكريم احمد عاصي المحمود جامعة الكوفة - كلية الآداب

DOI:

https://doi.org/10.36317/kaj/2011/v1.i10.6543

الكلمات المفتاحية:

صورة المجتمع

الملخص

من المباديء المهمة في نظرية الأدب الإسلامي، النظر إلى أية ظاهرة اجتماعية من خلال موقعها الحقيقي في سياق النظام الاجتماعي الخاضع للسنن الالهية الحاكمة لحركة التاريخ والتطور الحضاري، والمرتبطة بسنن الله في الكون عامة، فمن هذه السنن مجتمعة يتكون النظام الكوني المتناسق والمنسجم في وحدة لاتحيد عن خطها المرسوم في لوح الازل، ومن هنا يأتي التفسير المتوازن لحياة المجتمع الإنساني وتطوره التاريخي ،الذي لاينبغي أن يغيب عن تصور الأديب الإسلامي خلال معالجته الفنية لأية ظاهرة من ظواهر المجتمع، ايجابية كانت أم سلبية بالقياس إلى السنن الالهية المنبثقة من صميم التركيب البشري ومن قلب العلاقات والوشائج والارتباطات الظاهرة والباطنة في العالم الذي يتحرك فيه الانسان. فهناك توازن بين العوامل المحركة للتاريخ الحضاري وبين ارادة المجتمع التي تعتبر في اطار الفكر الخطوة الاساسية للتحريك. وبهذا التصور الشامل المتوازن للحياة الاجتماعية، فإن المنهج الأدبي الإسلامي يطالب بالحاح بأن يعتمد النتاج الفني النظرة الاجتماعية الشمولية والتصور الذي يستقصي كافة أبعاد الحياة البشرية.
وبديهي أن هذا المنهج يربط النظرة الشمولية إلى الموضوعات الاجتماعية بالنظرة العقائدية التي يقدمها ديننا الحنيف، فيعمد الى تركيزالفهم المعنوي للحياة والإحساس الخلقي بها ،ناظراً الى الحياة الفردية والاجتماعية بشكل متوازن.
وهذا أساس متين في معالجة الاديب الاسلامي لمختلف الظواهر الاجتماعية وتصوير النموذج الاسلامي المنشود للمجتمع الانساني بتاكيده على الصيغة المطلوبة لعلاقة المسلم مع مجتمعه بما يعزز الرابطة الاجتماعية بين المسلمين ويسهم في بناء المجتمع الاسلامي المتماسك. ويختلف الادب الاسلامي – من هذه الجهة – عن الآداب الجاهلية التي حرصت على ربط الظاهرة الاجتماعية بجزء واحد منها وجعله العامل الاساس الذي يتحكم في توجيه الاسباب الثانوية وتصريفها، فهذه التفسيرات الاختزالية التجزيئية للظواهر الاجتماعية قد شوهت حقيقة رسالة الأدب وجعلتها تتخبط في قضايا وهمية ونظريات باطلة تاركة التصور الشمولي الذي يرد كل المشكلات والأزمات الى ذات الانسان ككل لا الى جزء من أجزائها. مقابل هذه التفسيرات الوضعية يجئ التفسير الاسلامي ليوضح ان الفهم الصحيح للقضايا الاجتماعية والعلل البشرية لا يحصل الا بفحص مصادرها التي تحوم كلها حول انحراف الانسان عن الصراط المستقيم الذي يتماشى وحاجاته الفطرية ودوافعه الحقيقية ؛ ولذلك يهتم الأدب الاسلامي بالفطرة الانسانية المحرزة للتقوى بنقائها الاصيل وحيويتها واحساسها بالمسؤولية امام نظام الكون، فتكون الفطرة السليمة منطلقاً لدوافع الحركة في التاريخ وتطور المجتمع، وبالمقابل فإن فساد الفطرة يطلق موانع الحركة والتطور متمثلة بالفساد الروحي والاخلاقي ومن هنا تتبلور النظرة الروحية للاديب الاسلامي في تناوله وتصويره لأية ظاهرة اجتماعية باعتبارأن هذه الظاهرة جزء من الكل الذي تحركه العوامل الروحية والاخلاقية بالدرجة الاولى، أما العوامل المادية والاقتصادية فإنها تأتي بالدرجة الثانية.
ولا يميل الادب الاسلامي الى السرد النظري والشرح العقلي لهذه القيم وانما يعتمد طريقة الوصف الواقعي والتمثيل الاجتماعي ( أي تصوير نماذج بشرية مختلفة ) بغية بيان اجتماعية هذه القيم، أي امكانية انزالها الى الواقع الاجتماعي المعاش. اضف الى هذا ان نجاح الادب الاسلامي في غرس القيم الخلقية الفاضلة في نفوس الافراد لا يحصل إلا اذا روعيت خصوصيات العصر وظروف البيئة ومميزات المحيط الاجتماعي في اطار تصور شامل لطبيعة المجتمع الانساني وعلاقته بالله وسننه الجارية في كيان هذا المجتمع وحركته التاريخية والحضارية، ويتخذ الأديب الاسلامي من هذا المنهج في الرؤية والتصور معياراً صائباً في نقد الظواهر السلبية واستنكار مظاهر الشرّ ومحاولة تصحيح الانحراف في السلوك الاجتماعي من خلال طرح البدائل المصورة في مواقف انسانية تهز مشاعر المتلقي وتوقظ هاجس النقد في عقله وتحفزه نحو التغيير، فلا يكون ادبه مجرد مرآة عاكسة لحياة هذا المجتمع لأن الادب حين يقتصر على النقد والتسجيل، يفقد جدواه ويتحول الى ضرب من العبث بل سيكون اداة هدم للبناء الاجتماعي حين ينقل مظاهر القبح والشذوذ والشرّ ويؤكد وجودها كما تعارف على ذلك من يسمّون انفسهم بكتاب الواقعية الذين تمادوا في تصوير مظاهر العنف والجريمة والجنس والصراع الطبقي وغيرها من الشرور والقبائح وبالأخص موضوع الجنس والحب الجسدي واللذة البهيمية وما يتبع ذلك من تصورات وانفعالات. والأدب الاسلامي الذي يعيش دائماً في أكناف القرآن ويتفيأ ظلاله الوارفة يستطيع أن يتحدث عن كل علاقة حبّ نقية لا فسوق فيها ولا عصيان . ولايقتصر موضوع الحب في الأدب الاسلامي على هذه العلاقة المعروفة بين الرجل والمرأة، بل يتسع لعلاقة روحانية تربط اجزاء الكون وأفراد المجتمع بعضهم الى بعض، فكل علاقة ايمانية يبنيها الانسان المؤمن مع ابناء جنسه من البشر هي ضرب من الحب كعلاقته بالأب والأم والأخ والابن والزوج والصديق والقريب وغيرها من العلاقات، وان هذا الفيض من الحب الالهي حين يغمر قلب الاديب الاسلامي ويجري الى كل زاوية ومنعطف من احاسيسه ومشاعره، يدفع بهذا الاديب الى ابداع اروع الصور والنماذج الاجتماعية السائرة في طريق الله وسننه الدافعة نحو التقدم والتطور الحضاري.

التنزيلات

بيانات التنزيل غير متوفرة بعد.

التنزيلات

منشور

2011-10-30

كيفية الاقتباس

Al-Mahmoud, Abdul Karim. "صورة المجتمع في نظرية الأدب الإسلامي". مجلة آداب الكوفة, م 1, عدد 10, أكتوبر، 2011, ص 213-64, doi:10.36317/kaj/2011/v1.i10.6543.

المؤلفات المشابهة

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 > >> 

يمكنك أيضاً إبدأ بحثاً متقدماً عن المشابهات لهذا المؤلَّف.